صلاحيات الملك الاستثنائية في الدستور الأردني

صلاحيات الملك الاستثنائية في الدستور الأردني

في كثير من الأحوال قد تتعرض البلاد لعوامل وظروف مفاجئة وطارئه تؤثر على أمن وسلامة واستقرار البلاد ويصعب مواجهتها وفق القواعد والقوانين العادية، من أجل ذلك كان لا بد من وجود صلاحيات وقواعد استثنائية تمنح الملوك ورؤساء الدول والحكومات الحق في مواجهة هذه الظروف المفاجئة والقهرية والعبور بالبلاد لبر الأمان خلال تلك الفترة من الزمن، أي أن هذه الصلاحيات والقواعد الاستثنائية محدده الزمان والمكان وتنتهي بنهاية الظروف التي منحت من أجلها، ومن هذه الصلاحيات التي وضعتها غالبية الدساتير العالمية ومنها الدستور الأردني الحق في إعلان حالة الطوارئ، وكذلك إعلان الأحكام العرفية، وذلك من خلال قانون خصص لذلك هو قانون الدفاع والذي من خلاله يحق للملك إعلان حالة الطواري، وإذا لم يتم السيطرة على الخطر والقوه القهرية المفاجئة كان للملك الحق في إعلان الأحكام العرفية وهو ما سوف نتناول بحثه في هذا المقال على النحو التالي:

أولا: سلطة الملك في إعلان حالة الطوارئ:

ثانياً: الرقابة على إعلان السلطة التنفيذية لحالة الطواري:

ثالثاً: سلطة الملك في إعلان الأحكام العرفية:

رابعاً: مدي خضوع إعلان السلطة التنفيذية للأحكام العرفية لرقابة:

أولا: سلطة الملك في إعلان حالة الطوارئ:

1- ماهية حالة الطوارئ:

 إن حالة الطوارئ هي نظام قانوني استثنائي محدد الزمان والمكان تعلنه السلطة المختصة من أجل مواجهة ظروف استثنائية وطارئة تهدد أم وسلامة واستقرار البلاد، فمن خلاله تقوم السلطة التنفيذية بفرض أعمال وسياسات لا يمكن لها القيام بها في الظروف العادية، فإعلان حالة الطوارئ تتم أثناء الكوارث أو الصراعات والنزاعات المسلحة أو العصيان المدني وغيرها من الظروف الطارئة التي تقدرها السلطة التنفيذية لفرض وإعلان حالة الطوارئ، فهي نظام دستوري استثنائي بموجبه تتخذ السلطة التنفيذية بعض التدابير المنصوص عليها في القانون والدستور من أجل الحفاظ على أمن وسلامة البلاد وحماية أراضيها وأجوائها وبحارها من أيه اعتداءات قد تتعرض لها، وتلجأ الدول لإعلان حالة الطوارئ رغم أن هذه الحالة تخاطر معها بالحقوق والحريات العامة المعمول بها داخل الدول للحفاظ على المصلحة الوطنية العليا وسلامة البلاد، فإعلان حالة الطوارئ هي حالة استثنائية تتطلب إصدار تشريع خاص يتم من خلاله منح السلطة التنفيذية صلاحيات إضافية يتعذر العمل بها في الظروف العادية.[1]

2- سلطة الملك في إعلان حالة الطوارئ في الدستور الأردني:

 لقد تطور الدستور الأردني عبر ثلاث مراحل تاريخية، بدأت المرحلة الأولي منه بالقانون الأساسي الصادر عام 1928 ثم الدستور المعدل عام  1947، ثم الدستور الحالي الصادر عام 1952 وتعديلاته عام 2011، ولقد منحت جميع هذه الدساتير ابتداء من القانون الأساسي عام 1928 مرورا بدستور 1947 وحتى الدستور الحالي صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي قد تهدد أمن وسلامة البلاد، فالمادة رقم (69) من دستور إمارة شرق الأردن 1928 نصت على منح صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية برئاسة الأمير عبد الله في ذلك الوقت لمواجهة الطوارئ في أي جزء من أجزاء إمارة شرق الأردن، ثم جاءت المادة رقم (79) من الدستور المعدل عام 1947 وأوضحت في مضمونها على أن إلغاء دستور 1928 لا يؤثر على قانونية أي قانون أو نظام وضع أو أي شيء عمل بمقتضاه قبل نفاذ هذا الدستور.

ولقد جاء نص (المادة 124) من الدستور الأردني الحالي 1952 وتعديلاته عام 2011 علي أنه: ” إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلي الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء”.

هذا وقد صدر قانون الدفاع في البداية عام 1935 في عهد إمارة شرق الأردن بموجب أحكام دستور 1928، وظل هذا القانون معمول به حتى عام 1992 عندما تم استبداله بقانون الدفاع الجديد الصادر في 7/1/1992 والذي نصت المادة الثانية منه على أن يطبق هذا القانون في الحالات الأتية:

  • إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ تهدد الأمن الوطني أو السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة منها بسبب وقوع حرب، أو قيام حالة تهديد بوقوعها، أو حدوث اضطرابات أو فتنة داخلية مسلحة أو كوارث عامة أو انتشار آفة أو وباء يعلن العمل بهذا القانون بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء.
  • ـ تتضمن الإرادة الملكية بيان الحالة التي تقرر بسببها إعلان العمل بهذا القانون والمنطقة التي يطبق فيها وتاريخ العمل به.
  • يعلن عن وقف العمل بهذا القانون بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء”.

كما أن المادة الثالثة من ذات القانون نصت على أن اتخاذ التدابير الضرورية لتأمين السلامة العامة بأن: ” أـ يناط تطبيق هذا القانون برئيس مجلس الوزراء لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية لتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة دون التقيد بأحكام القوانين العادية المعمول بها. ب ـ يمارس رئيس الوزراء صلاحياته بموجب أوامر خطية. ج ـ لرئيس الوزراء تفويض جميع صلاحياته أو بعضها لمن يراه أهلا للقيام بذلك في جميع أنحاء المملكة أو في منطقة محددة منها وبالشروط والقيود التي يعينها “.

وقد قررت محكمة العدل الأردنية العليا في قرارها رقم 51/54 بأن: ” قانون الدفاع يتمتع بقيمة القانون العادي استنادا إلى أحكام المادة الرابعة من قانون الدفاع التي تنص على أن لجلالة الملك المعظم أن يضع أنظمة دفاع لضمان الأمن العام والدفاع عن المملكة، ويجوز أن تنص هذه الأنظمة على أحكام حول الإتجار والتصدير والإنتاج ومنع التعامل بالمواد، كما أن الفقرة (ج) من المادة نفسها تنص على أن يوقف العمل بأي حكم قد يكون مخالفاَ لأي نظام وضع بموجب هذه المادة من أحكام أي قانون أو نظام في قوانين المملكة أو أنظمتها”.

من هنا يتضح أن الحق في إعلان حالة الطوارئ وفقا لنصوص قانون الدفاع هو لجلالة الملك وفق تقديره بوجود أمور تستوجب إعلان حالة الطوارئ ومن ثم تطبيق أحكام هذا القانون، بشكل لا تخضع معه هذه القرارات والإعلانات للرقابة القضائية كونها من قبيل أعمال السيادة التي لا تخضع للرقابة، ولكن يجب على الحكومات إلغاء هذه الأنظمة الاستثنائية متى عادت الظروف والأمور إلى ما كانت عليه ومن ثم العودة لاستخدام القوانين العادية والدستور النافذ والمعمول به في البلاد.[2]

وقد أقرت محكمة العدل الأردنية العليا على مبدأ عدم خضوع إعلان حالة الطوارئ في المملكة لرقابة القضاء وذلك من خلال النص في حكمها رقم 42/52 على أن: ” جلالة الملك وحده هو صاحب تقدير وجود الطوارئ أو عدم وجوده، ولا تستطيع هذه المحكمة أن تتصدى لهذا التقدير، إذ بهذا قد سلبت جلالة الملك إحدى صلاحياته الدستورية”.

3ـ صلاحيات السلطة التنفيذية في قانون الدفاع الأردني:

وضع قانون الدفاع الأردني الصادر عام 1992 بعض الصلاحيات القانونية للسلطة التنفيذية من أجل اتخاذ بعض التدابير والإجراءات للحفاظ على أمن وسلامة البلاد وقد جاءت تلك الصلاحيات في نص المادة الرابعة من هذا القانون بالنص على: ” لرئيس الوزراء ممارسة الصلاحيات التالية:

أ ـ وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة، وإلقاء القبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن الوطني والنظام العام واعتقالهم.

ب ـ تكليف أي شخص بالقيام بأي عمل أو أداء أي خدمة ضمن قدرته.

ج ـ تفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات دون التقيد بأحكام أي قانون آخر، والأمر باستعمال القوه المناسبة في حالة الممانعة.

د ـ وضع اليد على الأموال المنقولة وغير المنقولة وتأجيل الوفاء بالدين والالتزامات المستحقة.

هـ ـ منع أو حصر أو تقييد استيراد المواد أو تصديرها أو نقلها من مكان إلى آخر، وتحديد التعامل بها وحظر إخفائها أو إتلافها أو شرائها أو المقايضة عليها وتحديد أسعارها.

و ـ الاستيلاء على أي ارض أو بناء أو طريق أو مصدر من مصادر المياه والطاقة وأن ينشئ عليها أعمالا تتعلق بالدفاع وأن يزيل أي أشجار أو منشآت عليها، وأن يأمر بإدارتها واستغلالها أو تنظيم استعمالها.

ز ـ إخلاء بعض المناطق أو عزلها وفرض منع التجول فيها.

ح ـ تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها كليا أو بعضها.

ط ـ تنظيم وسائل النقل والمواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة، وإغلاق أي طريق، أو ممر، أو مجري ماء ،أو تغير اتجاهه ومنع حركة السير عليه أو تنظيمها.

ي ـ مراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والنشرات والرسومات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن إعدادها.

ك ـ منع أخذ صورة أو عمل تصاميم أو خرائط لأي مكان أو شيء بعينه قد يفيد العدو، ومنع الاحتفاظ بجوار هذه الأماكن والأشياء بأي أجهزة تصوير أو مواد لعمل الصور والتصاميم والخرائط ومنع المكوث أو التأخر في مثل هذه الأماكن دون عذر مشروع.

ل ـ إلغاء رخص الأسلحة النارية والذخائر والمفرقعات والمواد القابلة للانفجار أو التي تدخل في صناعة المتفجرات ومنع صنعها، أو بيعها، أو شرائها، أو نقلها، أو التصرف بها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق محلات بيعها وخزنها.

م ـ منع صنع أجهزة الاتصال، أو بيعها، أو شرائها، أو حيازتها والأمر بتسليمها وضبطها”.

وبالنظر للفارق بين قانوني الدفاع الحالي 1992 والسابق 1935 يتضح أن القانون الحالي قلص وألغى بعض الصلاحيات التي كانت قد منحت للسلطة التنفيذية بموجب قانون الدفاع القديم والذي كان يسمي قانون الدفاع عن شرق الأردن لسنة 1935، ومنها على سبيل المثال إلغاء صلاحية السلطة التنفيذية في إنشاء محاكم خاصة بهذه المرحلة، كما ألغى قانون الدفاع الحالي ما كان متبع في القانون السابق من صلاحية السلطة التنفيذية من إيقاف تنفيذ أحكام المحاكم العادية.[3]

ثانياً: الرقابة على إعلان السلطة التنفيذية لحالة الطوارئ:

هناك نوعان من الرقابة التي قد تفرض على السلطة التنفيذية أثناء ممارسة عملها نحو تنفيذ القوانين والعمل بها، ولكن هذا في الظروف العادية، أما في ظل إعلان حالة الطوارئ فإن الحال يتبدل ويتغير، وهو ما سبق وأن أوضحناه من أن إعلان حالة الطوارئ تعتبر من قبل أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء، إلا أن الحال ليس على هذا الإطلاق بل يجب ألا تتجاوز السلطة التنفيذية الغاية والهدف من قانون الدفاع وهو المحافظة على أمن وسلامة البلاد، فإن تجاوزت السلطة التنفيذية هذا الغرض والهدف يكون للسلطة القضائية الحق في إبطالها.

كما أن الدستور لم ينص صراحة أو ضمنا على تعطيل الحياة البرلمانية ( مجلس الأمة ) أثناء إعلان حالة الطوارئ، ومن ثم وطالما أن الدستور لم يعطل البرلمان في مثل هذه الحالات الأمر الذي يعني أنه من حق مجلس الأمة القيام بجميع مهامه الرقابية والتشريعية دون توقف أو تعليق،  وهو ما يعني حقه في الرقابة واستجواب مجلس الوزراء على ما يقوم به من أعمال، وله كذلك الحق في اقتراح قانون يلغي به قانون الدفاع بعد رفعه لجلالة الملك، ورغم ذلك إلا أنه ليس من حق مجلس الأمة إبطال العمل بإعلان حالة الطوارئ كون هذه الصلاحية منحت لجلالة الملك بناء على تنسيب من مجلس الوزراء.

من هنا يتضح أن قانون الدفاع قانون مستقل عن غيره من القوانين، فهو ليس قانون دستوري كونه قانون صادر من السلطة التشريعية وبنفس الطريقة التي توضع بها القوانين العادية، كما أنه لا يمكن اعتباره قانون إداري رغم تشابه مع الأخير في أنه ينظم صلاحيات رئيس الوزراء في فترة الطوارئ وخولة سلطة إصدار قرارات إدارية على شكل أوامر دفاع، إلا أنه تناول في جزء منه تنظيم علاقات خاصة بين الأفراد.

ولعله من المناسب هنا التفرقة بين كل من قانون الدفاع والقانون المؤقت المنصوص عليه في المادة رقم (94) من الدستور الأردني الصادر 1952 والتي نصت علي: ” ـ عندما يكون مجلس النواب منحلاَ يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة لمواجهة الأمور الآتي بيانها:

  • الكوارث العامة.
  • حالة الحرب والطوارئ.
  • الحاجة إلي نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل.

ويكون للقوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون على أن تعرض مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها وله أن يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها فإذا رفضها أو انقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا، ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة، ويسري مفعول القوانين المؤقتة بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين بمقتضي حكم المادة (93) من هذا الدستور”.

فهناك تشابه بين القانونين في كونهما يوضعان لمواجهة حالة طارئة وأن كل منهما مؤقت وموضوع  لفترة زمنية محدده، إلا أنهما يختلفان الجهة مصدرة كل منهما فقانون الدفاع يصدر من مجلس الأمة في أوضاع عادية، وذلك على خلاف القانون المؤقت الذي يصدر من قبل مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك وذلك في حالة واحدة وهي أن يكون مجلس النواب منحلاَ.[4]

كما أن القانون المؤقت يجب أن يتم عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده لإقراره أو تعديله أو رفضه، وهو علي خلاف قانون الدفاع الذي يدخل حيز التنفيذ ويتم إقراره دون الحاجة لعرضة على مجلس الأمة، ولكن يبقي القانون نافذ حتي بعد انتهاء حالة الطوارئ الذي أعمل لمواجهتها، دون الحاجة لإعادة عرضة على مجلس الأمة بعد انتهائها.

ثالثاً: سلطة الملك في إعلان الأحكام العرفية:

بالإضافة إلي صلاحية  الملك الاستثنائية في إعلان حالة الطوارئ فقد منح الدستور جلالة الملك صلاحية استثنائية أخري لمواجهة الأعمال والأحداث الخطيرة التي لا يكفي مواجهتها بإعلان حالة الطوارئ، ومن ثم منح الدستور الأردني جلالة الملك صلاحية إعلان الأحكام العرفية وهو ما نصت عليه المادة رقم (125) من الدستور الأردني 1952 وتعديلاته حيث نصت على: ” في حالة حدوث طوارئ خطيرة يعتبر معها أن التدابير والإجراءات بمقتضي المادة السابقة من هذا الدستور غير كافية للدفاع عن المملكة فللملك بناء على قرار مجلس الوزراء أن يعلن بإرادة ملكية الأحكام العرفية في جميع أنحاء المملكة أو في أي جزء منها. وعند إعلان الأحكام العرفية للملك أن يصدر بمقتضي إرادة ملكية أيه تعليمات قد تقتضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة بقطع النظر عن أحكام أي قانون معمول به ويظل جميع الأشخاص القائمين بتنفيذ تلك التعليمات عرضه للمسؤولية القانونية التي تترتب على أعمالهم إزاء أحكام القوانين إلى أن يعفوا من تلك المسؤولية بقانون خاص يوضع لهذه الغاية”.

من هنا يتضح أن الدستور اشترط لإعلان الأحكام العرفية وجود ظروف وعوامل طارئة تؤثر على أمن وسلامة المملكة وأن التدابير والإجراءات التي تم اتخاذها بإعلان حالة الطوارئ وفقا لنص المادة 124 من الدستور غير كافية للحفاظ على المملكة.

وقدر صدر القرار الأول بإعلان الأحكام العرفية في المملكة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (1) عام 1957 بعد الإرادة الملكية بالموافقة عليه حيث نص على أنه: ” بالنظر إلى الطوارئ الخطيرة التي تجتازها البلاد في الظروف الحاضرة مما يعتبر معها التدابير والإجراءات القائمة في الوقت الحاضر بموجب قانون الدفاع وفقا للمادة (124) من الدستور غير كافية للدفاع عن المملكة واستناداَ إلى المادة (125) من الدستور يقرر مجلس الوزراء الالتماس من جلالة الملك المعظم وفقاَ لصلاحياته الدستورية بمقتضي الفقرة الأولي من المادة (125) المشار إليها، أن تعلن الأحكام العرفية في جميع أنحاء المملكة اعتباراَ من تاريخ اليوم 25 نيسان 1957″.[5]

وانتهت الأحكام العرفية بإعلان قرار مجلس الوزراء رقم (640) لسنة 1958 بعد صدور الإرادة الملكية بالموافقة على هذا القرار  ونص القرار على أن: ” إن جميع تعليمات الإرادة العرفية وأيه تعديلات لها تعتبر ملغاة تلقائياَ بسبب أن الغاية من وضع تلك التعليمات إنما كانت لتنظيم الأحكام العرفية وإدارتها في الوقت الذي كانت الأحكام العرفية مفروضة فيه”.

أما المرة الثانية التي أعلنت فيه الأحكام العرفية في المملكة فكانت في عام 1967، وذلك بعد صدور الإرادة الملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم (254) لسنة 1967 والذي نص على: ” بالنظر إلى حالة الحرب القائمة ما بين الدول العربية وإسرائيل الأمر الذي تعتبر معه التدابير والإجراءات القائمة في الوقت الحاضر غير كافية للدفاع عن المملكة استناداَ إلى المادة (125) من الدستور يقرر مجلس الوزراء إعلان حالة الأحكام العرفية في جميع أنحاء المملكة اعتباراَ من تاريخ اليوم 5 حزيران 1967″.

وقد استمر إعلان الأحكام العرفية بالمملكة حتى انتهت بموجب القرار رقم (970) لسنة 1992، وهو ما يعني أن تلك الأحكام استمرت مده تقارب الخمسة والعشرين عاما، منحت خلالها الحكومة صلاحيات واسعة للحفاظ على أمن وسلامة واستقرار البلاد، وقد قامت السلطة التنفيذية استناداَ لنص المادة (125/2) من الدستور والتي أعطت السلطة التنفيذية الحق في إصدار أيه تعليمات قد تقتضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة، ومن هذه التعليمات التي أصدرتها السلطة التنفيذية بالمملكة:

1- تعليمات الإدارة العرفية لسنة 1967:

 والتي نصت في المادة الثانية منها على أن: ” يعين حاكم عسكري عام بقرار من مجلس الوزراء وموافقة الملك، يمارس في سبيل تأمين السلامة العامة في المملكة والدفاع عنها كافة السلطات والصلاحيات التي أعطيت لجلالة الملك المعظم أو لرئيس الوزراء بمقتضي قانون الدفاع وجميع الأنظمة والأوامر الصادرة بمقتضاه”.

2- تعليمات الإدارة العرفية رقم (2) لسنة 1968:

جاءت هذه التعليمات بشأن العاملين بالحكومة في الضفة الغربية من المملكة، ونصت المادة الثانية من تلك التعليمات على أن:  ” على الرغم مما جاء في أي قانون أو نظام، للحاكم العسكري العام: 1ـ أن يقرر عزل أي موظف من موظفي الدولة.  2ـ أن يقرر حرمان الموظف من راتبه الذي يتقاضاه من الحكومة وأيه علاوات أو مخصصات أخرى إذا اقتنع بأن الموظف يتعاون مع سلطات العدو المحتلة في الضفة الغربية من المملكة بأي شكل من الأشكال، أو يتناول راتباَ من تلك السلطات”، وأن هذه التعليمات غير خاضعة للطعن أمام المحاكم أو أمام أي مرجع إداري آخر، وذلك وفقا لنص المادة الخامسة من هذه التعليمات.

3- تعليمات الإدارة العرفية لشؤون الأراضي المحتلة رقم (1) لسنة 1972:

قامت هذه التعليمات بالموافقة على انشاء لجنة مكونه من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير البلاط، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، ومنحتها الصلاحيات الآتية:

  • تقرير الموقف العام في الأراضي المحتلة ورسم السياسة العامة للدولة.
  • النظر في كافة القضايا المالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية في الأراضي المحتلة والفصل بها حسب ما تراه اللجنة مناسباَ بصرف النظر عن أي قانون أو تشريع آخر، وقرارات اللجنة غير قابلة للطعن أمام أي جهة قضائية أو إدارية آخري.

4- تعليمات الإدارة العرفية رقم (3) لسنة 1972:

نصت هذه التعليمات على أنه: ” ووفقا لمقتضيات السلامة العامة وإلى أن تلغي الأحكام العرفية: تمنع المحاكم من النظر في أيه دعوى ناشئة عن الأعمال التي تقوم بها القوات المسلحة في معرض الدفاع عن المملكة أو الحفاظ على أمنها الداخلي، وتوقف الإجراءات في الدعاوي التي أقيمت ولم يصدر بها حكم قطعي، ولا تجوز المصالحة بمقتضي القانون رقم 73 لسنة 1953 عن الأضرار الناشئة عن الأعمال المبينة في الفقرة السابقة”.

ويترتب على إعلان الأحكام العرفية إنشاء محاكم عرفية عسكرية تتكون من رئيس وعضوين من الضباط لا تقل رتبه أي منهم عن نقيب، وتمارس هذه المحاكم اختصاصاتها على مرتكبي الجرائم الأتية:

  • الجرائم التي تقع على أمن وسلامة الدولة الداخلية والخارجية المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 في المواد من (107 ـ 117)، والمواد من ( 135 ـ 149)، والمواد من (157 ـ 168 ).
  • الجرائم الواقعة خلافاَ لأحكام قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم 50 لسنة 1970.
  • مخالفة أحكام المادة 195 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960.
  • مخالفة أحكام قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم 13 لسنة 1953.
  • مخالفة أحكام قانون المفرقعات رقم 13 لسنة 1953.
  • مخالفة أحكام قانون مقاومة الشيوعية رقم 91 لسنة 1953.
  • الانتساب إلى أي حزب سياسي محلول أو غير مرخص.
  • الاعتداء على موظفي الدولة وأفراد الجيش والشرطة أو عرقلة أعمالهم.
  • الاتصال مع العدو والقيام بأعمال التسلل أو التهريب.
  • مخالفة الأوامر التي يصدرها الحاكم العسكري العام أو الحكام العسكريون المحليون.
  • أي جرم أو مخالفة أخرى يأمر الحاكم العسكري العام بإضافتها بموجب إعلان ينشر في الجريدة الرسمية.

والأصل العام هنا أنه لا يمكن تنفيذ أي حكم أو قرار من أحكام وقرارات المحاكم العرفية إلا بعد أخذ موافقة الحاكم العسكري العام، والاستثناء على هذا الأصل العام في عقوبة الإعدام والتي هي حق أصيل لجلالة الملك فقط دون غيره في المصادقة عليها، وله حق العفو والتخفيض، كما أن أحكام وقرارات المحاكم العسكرية نهائية بعد التصديق عليها، ومن ثم لا يجوز الطعن عليها أمام أي محكمة أو جهة أخرى.

كما أنه يحق للحكام العسكري الأمر بإلقاء القبض على أي شخص أو تفتيشه وحجزة ، وكذلك حقه في إصدار الأمر بدخول المنازل وتفتيشها في أي وقت وأي مكان داخل المملكة.

وقد استقرت أحكام محكمة العدل الأردنية العليا على أن الحصانة القضائية التي منحت لأوامر الحاكم العسكري والحكام العسكريين المحليين تكون في حال إذا كانت هذه الأوامر قد أعطيت من أجل الدفاع عن أمن البلاد وسلامتها، أما إذا أعطيت الأوامر لأغراض ليس لها علاقة بأمن البلاد فإن المحكمة تكون مختصة بالنظر في الدعوى والطعن في عدم صحة القرارات المتخذة.

رابعاً: مدى خضوع إعلان السلطة التنفيذية للأحكام العرفية لرقابة:

 كما سبق وأن أوضحنا أن هناك نوعان من الرقابة، رقابة قضائية ورقابة برلمانية، وإذا كان الأصل العام أن جميع أعمال السلطة التنفيذية تخضع للرقابة القضائية والبرلمانية على حد سواء وذلك في الظروف العادية، فهل ذلك هو الحال في ظل إعلان الأحكام العرفية وما تمر به البلاد من ظروف طارئة وخطيرة، وهو ما سوف نلقي الضوء عليه من خلال تحديد عما إذا كان إعلان السلطة التنفيذية للأحكام العرفية لرقابة القضاء والبرلمان.

1ـ الرقابة القضائية وإعلان الأحكام العرفية:

استقرت محكمة العدل الأردنية العليا تعقيبا على نص المادة رقم (20) من تعليمات الإدارة العرفية رقم (9) لسنة 1957 والتي جاءت مقرره وقف العمل بأحكام الفقرة الثالثة من المادة (10) من قانون تشكيل المحاكم النظامية، فقد نصت المحكمة على: ” إن النص الوارد في المادة (20) من تعليمات الإدارة العرفية الذي منع محكمة العدل من رؤية الطعن بكافة القرارات الإدارية سواء أكانت صادرة لغايات الدفاع أو غير ذلك، هو نص دستوري لا يعمل به إلا عندما تكون الغاية من القرار الإداري الدفاع عن المملكة”.

ومن ذلك يتضح ما أرسته محكمة العدل العليا من أن إعلان الأحكام العرفية والقرارات الصادرة استناداَ لها إذا لم يكن لها علاقة بأمن وسلامة المملكة فتدخل في تلك الأحوال تحت مظلة الرقابة القضائية وتكون الأخيرة صاحبة الاختصاص الأصيل في النظر في كافة الطعون ضد هذه القرارات، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن جميع القرارات الصادرة في ضوء إعلان الأحكام العرفية والمتعلقة بأمن وسلامة المملكة لا تخضع لرقابة القضاء.

2ـ الرقابة البرلمانية وإعلان الأحكام العرفية:

مجلس الأمة هو الجهة المنوط بها إصدار التشريعات مراقبة ما تقوم به السلطة التنفيذية داخل المملكة، فهل الوضع يبقي كما هو في ظل إعلان الأحكام العرفية؟

 بالنظر إلى نصوص الدستور وقانون الدفاع والتعليمات العرفية نجد أنها لم تحجب هذا الدور عن البرلمان، بل لم تذكر ذلك في أي نص من نصوصها، وهو الأمر الذي يعني أن مجلس الأمة يظل يمارس دورة التشريعي والرقابي على السلطة التنفيذية في ظل الظروف العادية وأيضا خلال إعلان الأحكام العرفية.

إعداد/ محمد سعيد عبد المقصود.

[1] أحمد مدحت على، نظرية الظروف الاستثنائية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978، صــ23.

[2] علي خطار شنطاوي، مبادئ القانون الإداري الأردني، مطبعة الجامعة الأردنية، عمان، 1996، صـ 516.

[3] منصور صالح فاضل العواملة، الوسيط في النظم السياسية، المجلد الرابع، المركز العربي للخدمات الطلابية للنشر، عمان،1990، صـ 260 ـ 262.

[4] محمد حسني معابره، الطبيعة الخاصة لقانون الدفاع الأردني وأثره في القانون الداخلي والدولي، كلية القانون ـ جامعة قطر، دار المنظومة للنشر، 2020، صــ 364.

[5] أسامة أحمد الحناينة، صلاحيات الملك الاستثنائية في الدستور الأردني،محامي الأردن، مجلس النشر العلمي ـ جامعة الكويت، 2010، صـ 320.