عصر الحداثة وصناعة النجوم والمشاهير

غلاف الكتاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعبت وسائل الإعلام الحديثة وخاصّة المرئية منها وفي مقدمتها السينما والتلفزيون دوراً كبيراً في صناعة النجوم، بمختلف المشارب والميادين. لكن «آليات صناعة الشهرة» كانت معروفة وفاعلة في عصر التنوير، قبل تلك الاختراعات كلّها. هذا ما يشرحه الأستاذ الجامعي الفرنسي ومدير الأبحاث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس انطوان ليلتي في كتابه الصادر قبل أسابيع تحت عنوان «شخصيّات عامّة».

وبعد أن صدر له في عام 2005 كتاب عن «عالم الصالونات» وصف فيه العالم الاجتماعي والثقافي في العاصمة الفرنسية باريس خلال القرن الثامن عشر، يعود انطوان ليلتي للتعرّض من جديد لعصر التنوير، موضوع اختصاصه، في هذا الكتاب الذي يدرس فيه نفس العصر من زاوية «اختراع الشهرة»، بمعنى النجومية في الحقبة الراهنة.

وهو يشرح فيه كيف انتشرت وتطوّرت آليات صناعة الشهرة والنجومية والمشاهير في أوروبا خلال عصر التنوير ــ القرن الثامن عشر ــ ثم ازدهرت تلك الآليات في العصر الرومانسي على ضفّتي المحيط الأطلسي، أي في القارّة القديمة أوروبا وفي «العالم الجديد»؛ أميركا.

ويبيّن بالاعتماد على سلسلة طويلة من الأمثلة التي تضم رجال سياسة وأدب وفكر وفن وغيرهم كيف أن ظاهرة صناعة المشاهير والنجوم، ليست جديدة بل هي تعود لأكثر من قرنين من الزمن، وهي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من عصر الحداثة الوليدة. ولا ينفي، بنظر المؤلف، أن للشهرة وجهها الآخر حيث يفقد المعني بها قسطا كبيرا من حرّيته، بل وتغدو «ثقلاً على كاهله».

وما يعبّر عنه بقول شائع ينقله ومفاده الشهرة هي عقاب الكفاءة والعقاب على الموهبة. ويضرب على ذلك مثال الفيلسوف والكاتب الكبير جان جاك روسو الذي وصف كتابه الشهير «الاعترافات» أنه يحكي عن «مآسيه». والإشارة أن تفاصيل حياته ساقتها المطبوعات المنتشرة آنذاك حيث كانت «أوروبا عصر التنوير ترصد كل أفعاله وحركاته».

ويعتبر المؤلف أن روسّو عرف منذ النجاحات التي حققتها أعماله الأولى أن يصوغ لنفسه ببراعة صورة شخصيّة عامّة فريدة تختلف عن قوانين الحياة الأدبية والاجتماعية في عصره، صورة غريبة على غرار القبّعة ــ الأرمنية ــ التي كان يضعها على رأسه. والإشارة أيضا أن روايته التي تحمل عنوان «هولويز الجديدة» جلبت له شهرة كبيرة إضافية..

حيث غدا نجماً يعبّر له الآخرون شفهياً أو عبر الكتابة عن إعجابهم الكبير، بمعنى آخر غدا له «معجبون» ينتظرون مروره ورؤيته. لكن ذلك كان مأزقاً بالنسبة له، إذ كيف يمكنه بعد ذلك أن ينتقد أولئك الذين كرّسوه نجماً أدبياً؟

ويشرح المؤلف في السياق التاريخي لعصر التنوير أن ثمرات الثورة الصناعية الكبرى على الصعيد الصحفي والإعلامي وازدهار «التقنيات الإعلانية» وآليات التسويق كانت مستجدات أدّت إلى تحوّل كبير وعميق في جعل المشاهير أكثر بروزاً في المشهد العام.

والإشارة في هذا السياق إلى أن الصحيفة اليومية الأولى رأت النور في فرنسا عام 1777. بالتوازي بدأ تشكّل رأي عام حقيقي له وزنه وثقافة جماهيرية. تلك الأمور يرى فيها المؤلف عوامل مشجّعة على البحث عن «النجومية». ذلك البحث الذي وصل أحيانا إلى حد «جنون العظمة»، الذي مثّلته ظاهرة «البيرونية»، نسبة إلى الشاعر بايرون في عشرينيات القرن التاسع عشر والتي يكرّس لها المؤلف عددا من صفحات الكتاب.

المؤلف في سطور

يعمل انطوان ليلتي، مؤلف هذا الكتاب، أستاذا ومديرا للأبحاث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس. اختصاصه الرئيسي هو التاريخ الاجتماعي والثقافي لفترة عصر التنوير، سبق له وقدّم كتابا لاقى نجاحا كبيرا تحت عنوان : «عالم الصالونات - الحس الاجتماعي والمدني في باريس خلال القرن الثامن عشر».

Email