الملكيات العربية والربيع العربى.. من إيقاف الثورات إلى حصد نتائجها - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملكيات العربية والربيع العربى.. من إيقاف الثورات إلى حصد نتائجها

نشر فى : الأربعاء 7 ديسمبر 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 ديسمبر 2011 - 9:30 ص

منذ اليوم الأول للثورات العربية والحديث يدور حول دور الخليج فى هذه الثورات، قد يكون الدور البارز للإعلام التابع لدول الخليج، وخاصة الجزيرة، فى الحراك العربى هو الذى وضع هذا الموضوع على أجندة الحوار العربى، ولكن بالتأكيد ما دعم ذلك هو التدخلات الخليجية فى شئون الدول التى أنجزت المرحلة الأولى من ثوراتها. فليس خافيا دور بعض هذه الدول فى الدفاع عن رؤوس النظم التى سقطت أو دعم التيارات الدينية فى هذه الدول فى مرحلة التحول إعلاميا وماديا.

والحوار التقليدى يطرح أن ما تقوم به هذه الدول هو محاولة لإيقاف هذه الثورات بعيدا عن حدودها، وقد تكون هذه المقولة صحيحة  فى المرحلة الأولى، وإن اختلفت هذه الاستراتيجيات من دولة إلى أخرى فمن ينسى يوم 11 فبراير عندما خرج مذيع الجزيرة ليقول إن ما يقرب من ثلاثة آلاف متظاهر يتوجهون للقصر الرئاسى فى القاهرة لإسقاط مبارك ثم أضاف متسائلا هل يمكن لمثل هذا العدد أن ينجز مثل هذه المهمة فى تحريض صريح. لكن قبلها بأيام خرجت مراسلة العربية لتعلن أن القاهرة تحترق وإنها لن تنقل ما يحدث على الأرض لأن الرعاع يريدون أن يستولوا على السلطة. وهنا وما بين الموقفين نتبين أنه فى البداية كان هناك خلاف خليجى حول كيف يمكن التعامل مع هذه الثورات وإن كان هدف واحد هو إبعاد هذه الثورات عن دولهم. لكن مع وصول الثورة إلى البحرين وتحديدا مع دخول قوات درع الجزيرة لقمع الثورة هناك، أيقنت هذه الدول أنه لن يمكنها إيقاف الثورات عن حدودها سواء بدعمها كما الجزيرة ومن ورائها أو مواجهتها مثل العربية ومن يملكها. وهنا بدأ التوحد الخليجى بإستراتيجية جديدة بدلا من إيقاف الثورات إنما دعمها ومساندتها لحصاد ثمارها من خلال مجموعة من الاستراتيجيات، تكتل للملكيات العربية عبر الدعوة للأردن والمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى، دعم الربيع العربى إعلاميا مع التركيز وإبراز تيار تابع لهم فكريا على الساحة، وتحويل الدعم المادى والوعود بالمساندة المادية من الدول إلى هذه التيارات ليصلوا إلى الحكم، مما يضمن أن تكون التوجهات الفكرية فى هذه الدول محافظة على غرار الخليج مما يضمن ألا يظهر فى الساحة خطاب ثورى يضج مضاجعهم كما كان الحال فى الستينيات. وبذلك تبدأ عملية توليد لنظم فى دولة بعد الأخرى يتبنى المنهج الفكرى الرجعى السائد فى الخليج واعتباره نموذجا يحتذى، وبالتالى تستطيع هذه النظم الرجعية توجيهة وتتحول هذه الدول إلى مناطق نفوذ لهم.



●●●



إلا أن هذه الاستراتيجية تتطلب بالتوازى إصلاحا داخليا يخلق حالة من الرضاء العام يمكن هذه الدول من القيام بدور إقليمى دون أن يكون ظهرها مكشوفا فى الداخل، تحت دعاوى يروج لها بأن النظم الملكية فى منطقتنا بما فيها الحالة الأردنية والمغربية قابلة لعملية الإصلاح على العكس من النظم الجمهورية، وهى دعاوى تظهر رؤيتهم للإصلاح باعتباره منحة من أعلى، وهنا تكمن المعضلة الخليجية/الملكية إذ أن طبيعة هذه النظم وتركيبتها لا تسمح بإحداث هذه الإصلاحات، وأوضح بيان على ذلك هو الدستور الجديد فى المغرب.

فالطرح الأساسى فى هذا الدستور يرتبط بطبيعة النظام، فتسمية النظام الجديد الذى يرسيه الدستور برلمانيا أمر غير واضح، بما أن النص الدستورى لا ينص صراحة على ذلك، إذ يقول فى فصله الأول إن نظام الحكم فى المغرب «ملكى دستورى ديمقراطى برلمانى واجتماعى» (الفصل1). وينعكس ذلك فى عدة نقاط فى الوثيقة، حيث أكد الفصل الـ19 الذى كان يثير جدلا كبيرا بحديثه عن قدسية الملك، قد جرى تقسيمه إلى فصلين، أى إنه لم يتم إلغاؤه، إنما بات يحصر فصل الصلاحيات الدينية للملك فى إمارة المؤمنين ورئاسة المجلس العلمى الأعلى عن سلطاته السياسية. أما الفصل الثانى، فيحدد مكانة الملك كرئيس للدولة، وبالتالى تم النص على أن «شخص الملك لا تُنتهك حرمته»، أى عاد من جديد لربط الدور السياسى بالمكانة  الدينية (الفصل 46). كما نجد فى كل باب من أبواب الدستور يحتفظ للملك بصلاحياته: كرئيس للدولة وأمير للمؤمنين، السلطة الدينية العليا فى المملكة. ويبقى الملك رئيسا لمجلس الوزراء وللمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويظل قائدا للجيش ويرأس «المجلس الأعلى للأمن»، الذى أنشئ حديثا. وعن رئيس الوزراء وصلاحياته فهو لا يُعيِّن مسئولين، بل يقدم اقتراحا بتعيينهم، وهناك فرق كبير بين التعيين والاقتراح، لذلك فإنّ تسمية رئيس الحكومة غير دقيقة لأنها حكومة برئيسين، والحديث عن فصل السلطة غير مضمون فى هذه الحالة) الفصل 47). فرئيس الحكومة لن يكون من حقه إقالة أى وزير فى الحكومة إلا بموافقة من الملك، بينما للملك، بحسب الدستور، أن يقيل أى وزير فقط بالتشاور مع رئيس الحكومة (الفصل 47). أضف إلى ذلك الدور الذى أناطه، الدستور للملك فى مجال القضاء، والذى يخل بالمبادئ الأساسية لاستقلال القضاء (الفصل115). رغم أن النص الدستورى الجديد يُبقى «الإسلام دين الدولة»، وأن الدولة تضمن فيه لكل فرد حرية ممارسة شئونه الدينية، فقد أُلغيت الإشارة إلى حرية المعتقد (الفصل 3).



●●●



هذه هى نوعية من الإصلاحات التى يمكن لمثل هذه النظم تقديمها والتى تقف خلف تطلعات شعوبها للحرية والعدالة بمسافات كبيرة وهى أشبه بما كان يقدمه نظام مبارك أو بن على، والتى من شأنها إسراع وتيرة حركة التغيير. فالملكيات العربية وخاصة فى الخليج سيكون عليها فى المرحلة القادمة الدخول فى جدل الإصلاح أو التغيير والذى أثبت الربيع العربى أن إرادة التغيير تنتصر دوما على الأقل فى المرحلة الأولى منه. أو سيكون عليها الخروج إقليميا مع بقاء الأوضاع الداخلية على ما هى عليه وهو ما سيؤدى بالضرورة لحراك داخلى مطالبا بالدخول فى الربيع العربى. أى أن الخليج والملكيات العربية سيكون عليهم للحفاظ على نظامهم، أن يتخلوا طوعا عن سلطاتهم لسلطات شعبية، أو أن ينكفئوا داخليا ويتوقفوا عن العبث بمقدرات دول الربيع العربى وهما خياران مستحيلان فى الظرف الحالى مما يؤكد أن هذه الدول ستلحق بالربيع العربى قريبا.

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات