المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 56 لسنة 6 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: أحزاب سياسية - استفتاء - الرقابة على دستورية القوانين - حق سياسي

نص الحكم
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 21 يونيه سنة 1986 م

برئاسة السيد المستشار/ محمد علي بليغ

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ محمود حمدي عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة

المفوض

وحضور السيد/ أحمد علي فضل الله 

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 6 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 7 مايو 1984، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري في 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.

وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبين فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين الصادرين من المدعي العام الاشتراكي في الثاني عشر من يونيه سنة 1978، المتضمنين إخطارهما بسريان حكم المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي في حقهما لاشتراكهما في قيادة حزب الوفد المصري القديم وإدارته. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإداري عدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 المشار إليه، فقد قضت في 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها استناداً إلى ما استظهرته من مخالفتها لأحكام المواد 5، 40، 41، 62، 178 من الدستور.

وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعي المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبي تم إعمالا لنص المادة 152 من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسي وتحقيق مصلحتها السياسية في حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة 152 من الدستور من أن "لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا" لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التي يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لا يجوز أن تتخذ هذا الاستفتاء - الذي رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه - ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت في الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التي لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها في المادة 189 من الدستور وبالتالي لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعي أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالي بما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية هذا فضلاً عن أن النص التشريعي المطعون عليه، قد صدر في شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين في مباشرة الحقوق السياسية التي كفلها الدستور، والتي ينبغي على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى - برمته - على غير أساس متعيناً رفضه.

وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.

وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي - المطعون عليها - تنص على أنه "لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب في إفساد الحياة السياسية قبل ثورة يوليو سنة 1952 سواء كان ذلك بالاشتراك في تقليد المناصب الوزارية منتمياً إلى الأحزاب السياسية التي تولت الحكم قبل 23 يوليو 1952، أو بالاشتراك في قيادة الأحزاب وإدارتها، وذلك كله فيما عدا الحزب الوطني والحزب الاشتراكي (حزب مصر الفتاه).

ويعتبر اشتراكاً في قيادة الحزب وإدارته، تولى مناصب الرئيس أو نواب الرئيس أو وكلائه أو السكرتير العام أو السكرتير العام المساعد أو أمين الصندوق أو عضوية الهيئة العليا للحزب.

ويخطر المدعى العام الاشتراكي مجلس الشعب، وذوى الشأن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون ببيان أسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى ولصاحب الشأن خلال عشرة أيام من تاريخ إبلاغه بذلك، أن يتظلم إلى مجلس الشعب من إدراج اسمه في هذا البيان إذا لم يكن قد تقلد أحد المناصب المشار إليها بالفقرة الأولى.

ويبت المجلس في التظلم بأغلبية أعضائه مع مراعاة حكم المادة 96 من الدستور".

وحيث إنه مما ينعاه قرار الإحالة على هذه المادة، أنها إذا قضت بحرمان فئة من المواطنين من حق الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية، تكون قد انطوت على مخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.

وحيث إن المادة 5 من الدستور - المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 - تنص على أن "يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية" وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذري في إحدى ركائز النظام السياسي في الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن "الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية وفي متابعة العمل الوطني في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل إلى أهدافه المرسومة". وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي، بنظام تعدد الأحزاب وذلك، تعميقاً للنظام الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة بما نص عليه في مادته الأولى من أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة..." وبما ردده في كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية - وهي جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحقوق والحريات العامة - وهي هدفها - أو بالاشتراك في ممارسة السلطة - وهي وسيلتها -، كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية، وأنها تتطلب - لضمان إنفاذ - محتواها تعدداً حزبياً، بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.

لما كان ذلك، وكان الدستور إذ نص في مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسي في جمهورية مصر العربية، يجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها - سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها - بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وهو ما لا يعني أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور - بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب عدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها في الإطار الذي رسمه لها، يما يستتبع حتما ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعي للحزب وتتأكد شرعية وجوده في واقع الحياة السياسية، وبالتالي فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.

وحيث إن المادة 62 من الدستور التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن "للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة وواجب وطني" ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة في المادة 62 منه.

وحيث إنه لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً، بما ينطوي على إهدار لأصل تلك الحقوق، ويشكل بالتالي اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.

وحيث إنه لا يقدح في هذا النظر، ما ذهبت إليه الحكومة من أن النص المطعون عليه يسانده ما قدره المشرع من استبعاد من أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة من ممارسة أي نشاط سياسي وذلك في إطار السلطة التقديرية المخولة له إعمالا للتفويض الدستوري الذي تضمنته المادتان 5، 62 من الدستور عندما أحالتا تنظيم الأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية إلى القانون، دون وضع قيود محددة لهذا التنظيم، ذلك أنه وإن كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملائمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغي ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية".

وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، ولما كانت باقي أحكام هذه المادة مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة الأولى المشار إليها، بما مؤداه ارتباط فقرات المادة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط إبطال باقي فقرات المادة المشار إليها مما يستوجب الحكم بعدم دستوريتها برمتها.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية